تقارير

تحديات التحول الأخضر: لماذا يعارض خبراء الاقتصاد الإسراع في التخلي عن النفط؟

كتبت: رنيم شكري

يشهد العالم تحولاً جذرياً في سياسات الطاقة، حيث تدفع المخاوف البيئية والتغير المناخي العديد من الدول إلى التخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري (النفط، الفحم، الغاز) لصالح الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية، الرياح، الكهرومائية). ومع ذلك، يرى بعض الخبراء أن التحول السريع غير واقعي ويحمل مخاطر اقتصادية كبيرة، خاصة للدول النامية التي تعتمد بشكل كبير على عائدات الوقود الأحفوري.

1. التحديات الرئيسية للتحول السريع إلى الطاقة المتجددة

أ. التكاليف الاستثمارية الباهظة
  • تتطلب الطاقة المتجددة بنية تحتية ضخمة، مثل محطات توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وشبكات تخزين ونقل متطورة.

  • تكلفة التصنيع والتركيب والصيانة مرتفعة مقارنة بالوقود الأحفوري، مما يشكل عبئاً على الميزانيات الحكومية في الدول النامية.

تحتاج بعض الدول إلى استيراد التكنولوجيا والخبرات الأجنبية، مما يزيد من التكاليف.

ب. عدم استقرار إمدادات الطاقة المتجددة
  • تعتمد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على الظروف الجوية، مما يجعلها غير مستقرة مقارنة بمحطات الوقود الأحفوري التي توفر طاقة مستمرة.

  • يتطلب التغلب على هذه المشكلة استثمارات إضافية في أنظمة تخزين الطاقة (مثل البطاريات)، مما يزيد التكاليف.

ج. الاعتماد الاقتصادي على الوقود الأحفوري
  • العديد من الدول النامية تعتمد على عائدات النفط والغاز في تمويل الخدمات العامة والبنية التحتية.

    التحول المفاجئ قد يؤدي إلى انخفاض حاد في الإيرادات، مما يسبب أزمات مالية وارتفاعاً في الديون.

    د. فقدان الوظائف في قطاع الوقود الأحفوري
    يؤدي إغلاق مناجم الفحم وآبار النفط إلى بطالة واسعة النطاق في القطاعات المرتبطة بها.

    قد لا توفر الطاقة المتجددة فرص عمل بنفس العدد أو الجودة في المدى القصير.

    2. الآثار الاقتصادية السلبية المحتملة
    أ. تباطؤ النمو الاقتصادي

  • قد تضطر الدول النامية إلى تحمل تكاليف التحول دون وجود عوائد سريعة، مما يؤثر على الناتج المحلي الإجمالي.

  • ارتفاع تكاليف الطاقة قد يرفع أسعار السلع والخدمات، مما يزيد من التضخم.

ب. زيادة الفقر وعدم المساواة
  • قد تؤدي السياسات المتسرعة إلى رفع أسعار الكهرباء، مما يثقل كاهل الأسر الفقيرة.

  • الدول التي تعتمد على تصدير الوقود الأحفوري قد تواجه انخفاضاً في العملات الأجنبية، مما يقلل من قدرتها على الاستيراد.

ج. المخاطر الاجتماعية والسياسية
  • قد يؤدي التحول غير المدروس إلى احتجاجات اجتماعية (كما حدث في بعض الدول التي ألغت دعم الوقود).

  • بعض الحكومات قد تفقد مصادر تمويلها الرئيسية، مما يهدد الاستقرار السياسي.

3. وجهات نظر مؤيدة للتحول التدريجي

يدعو بعض الخبراء إلى نهج متوازن، يشمل:

  • الاستثمار في البحث والتطوير لخفض تكاليف الطاقة المتجددة وتحسين كفاءتها.

  • الدمج بين مصادر الطاقة (مثل استخدام الغاز الطبيعي كمرحلة انتقالية).

  • الدعم الدولي للدول النامية عبر تمويل مشاريع الطاقة النظيفة ونقل التكنولوجيا.

    4. دراسات حالة
    ألمانيا (Energiewende): نجحت في زيادة حصة الطاقة المتجددة، لكنها واجهت ارتفاعاً في تكاليف الكهرباء واعتماداً مؤقتاً على الفحم.

    الهند: تواجه تحديات في التوفيق بين النمو الاقتصادي السريع والتحول إلى الطاقة النظيفة بسبب التكاليف المرتفعة.

    نيجيريا: تعتمد على النفط بنسبة 90% من إيراداتها، مما يجعل التحول صعباً دون إصلاحات هيكلية.

    لا شك أن التحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة يمثل أحد أهم التحديات التي تواجه العالم في القرن الحادي والعشرين، ليس فقط لأسباب بيئية تتعلق بالحد من انبعاثات الكربون، بل أيضاً بسبب آثاره الاقتصادية والاجتماعية العميقة، خاصة على الدول النامية. وفي الوقت الذي يُشَدِّد فيه العلماء على ضرورة الإسراع في خفض الانبعاثات لتفادي الكوارث المناخية، تبرز تحذيرات اقتصادية من أن التحول السريع وغير المدروس قد يؤدي إلى اضطرابات خطيرة في اقتصادات تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز، أو تلك التي تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة للانتقال السلس إلى الطاقة النظيفة.

     

زر الذهاب إلى الأعلى