تقارير

ترامب من السعودية.. تحالفات جديدة تعيد رسم الخريطة، ورسائل مشروطة

كتبت: فاطمة إسماعيل

في زيارته إلى المملكة العربية السعودية يوم 13 مايو 2025، حرص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على توجيه رسائل مباشرة وحاسمة إلى إيران، كما أطلق إشارات قوية إلى بقية دول المنطقة، في خطاباته ولقاءاته الرسمية على هامش منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي والقمة الثنائية التي جمعته بولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وجاءت هذه الرسائل ضمن سياق إستراتيجية أمريكية جديدة تعيد تموضع واشنطن في الشرق الأوسط بعد فترة من التراجع النسبي.

فيما يلي أبرز هذه الرسائل:

أولًا: الرسائل الموجهة إلى إيران

خلال زيارته إلى الرياض في 13 مايو 2025، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سلسلة من التصريحات الحادة تجاه إيران، مؤكدًا على ضرورة تغيير سلوكها الإقليمي والنووي. وفيما يلي أبرز ما جاء في تصريحاته:

إيران: “القوة الأكثر تدميرًا في الشرق الأوسط”

في كلمته خلال منتدى الاستثمار السعودي–الأمريكي، وصف ترامب إيران بأنها “القوة الأكثر تدميرًا في الشرق الأوسط”، متهمًا إياها بتأجيج الفوضى ودعم الإرهاب في المنطقة. وأكد أن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، مشددًا على أن “كل الخيارات مطروحة” لمنع ذلك. 

دعوة مشروطة للتفاوض

رغم لهجته الصارمة، أبدى ترامب استعدادًا للتفاوض مع إيران، مشيرًا إلى أن “الفرصة لن تبقى متاحة إلى الأبد”. وأكد أن بلاده مستعدة لتخفيف العقوبات إذا ما غيرت إيران مسارها وتخلت عن دعم الإرهاب وبرنامجها النووي.

 تحذير من “أقصى درجات الضغط”

أعاد ترامب التأكيد على سياسة “الضغط الأقصى” تجاه إيران، مشيرًا إلى أن بلاده ستواصل فرض العقوبات الاقتصادية حتى تغير إيران سلوكها. وأكد أن “الولايات المتحدة مستعدة لتطبيق ضغط اقتصادي هائل إذا رفضت إيران التعاون”.

مقارنة بين إيران والسعودية

في خطابه، أشاد ترامب بالسعودية ووصفها بأنها “قوة استقرار” في المنطقة، في حين اتهم إيران بأنها “تغذي الفوضى والمعاناة”. وأشار إلى أن “الرؤية السعودية البناءة تتناقض مع الانهيار والمعاناة التي تسببت بها القيادة الإيرانية”.

رسالة إلى خامنئي

في مارس 2025، أرسل ترامب رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، يعرض فيها بدء مفاوضات جديدة حول البرنامج النووي الإيراني. ورغم الردود الأولية السلبية من طهران، بدأت محادثات غير مباشرة بين البلدين في أبريل 2025. 

تعكس تصريحات ترامب خلال زيارته للرياض موقفًا أمريكيًا حازمًا تجاه إيران، مع إبقاء الباب مفتوحًا أمام الدبلوماسية. يبدو أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى إعادة تشكيل سياستها في الشرق الأوسط، من خلال الضغط على إيران وتعزيز التحالفات مع دول الخليج، وخاصة السعودية.

ثانيًا: رسائل إلى دول الخليج والدول العربية

1. طمأنة الحلفاء الخليجيين

في خطاب ألقاه خلال المنتدى الاستثماري، قال ترامب:

“الولايات المتحدة ملتزمة التزامًا راسخًا بأمن الخليج… وسنكون دائمًا إلى جانب حلفائنا لمواجهة أي تهديد.”

وأكد أن صفقات الدفاع الموقعة مع السعودية جزء من رؤية متكاملة لـ”ردع أي عدوان”.

2. الدعوة إلى تشكيل تحالف إقليمي موحد

حث ترامب دول الخليج على توحيد الصفوف وتعزيز التنسيق الأمني والاستخباراتي لمواجهة “النفوذ الإيراني الخبيث”، وأشار إلى أن واشنطن ستدعم أي تكتل دفاعي أو أمني جماعي بين الدول العربية.

3. التأكيد على القيادة السعودية

وصف ترامب ولي العهد السعودي بأنه “زعيم التغيير الإقليمي”، وأشاد برؤية 2030، معتبرًا أن السعودية هي “العاصمة الجديدة للقرار الاقتصادي والسياسي العربي”، وهو ما يُعد رسالة إلى بقية الدول بأن الرياض شريك واشنطن الأول في المنطقة.

ثالثًا: قرارات أمريكية جديدة بشأن سوريا:

خلال زيارته إلى الرياض في 13 مايو 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تحول كبير في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، مؤكدًا على رفع جميع العقوبات المفروضة على النظام السوري السابق، وذلك في خطوة تهدف إلى دعم الاستقرار الإقليمي وتعزيز العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس المؤقت أحمد الشعار.

رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا

في تصريحاته، أشار ترامب إلى أن الولايات المتحدة قررت رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا، قائلًا:

“لقد عانت سوريا بما فيه الكفاية من الحروب والمآسي، حان الوقت لمنحها فرصة للسلام والنمو.”

وأضاف أن هذه الخطوة تأتي في إطار دعم الولايات المتحدة للحكومة السورية الجديدة، والتي تولت السلطة بعد الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر 2024.

تعزيز العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة

ترامب أعلن عن عزمه على الاجتماع مع الرئيس المؤقت أحمد الشعار، الذي قاد الهجوم الناجح ضد نظام الأسد، وذلك في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين. وأشار إلى أن هذا اللقاء سيكون خطوة مهمة نحو إعادة بناء الثقة والتعاون بين الولايات المتحدة وسوريا.

دعم الاستقرار الإقليمي

أكد الرئيس الأمريكي أن رفع العقوبات يهدف إلى دعم استقرار سوريا والمنطقة ككل، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى تعزيز التعاون مع حلفائها في المنطقة، بما في ذلك السعودية وتركيا، لتحقيق هذا الهدف.

هذه الخطوة تمثل تحولًا في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، حيث كانت الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات صارمة على النظام السوري السابق بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان واستخدام الأسلحة الكيميائية. ومع ذلك، يرى البعض أن هذه السياسة الجديدة قد تفتح الباب أمام فرص جديدة للتعاون الإقليمي، بينما يعبر آخرون عن قلقهم من إمكانية تقوية نفوذ قوى إقليمية معينة في سوريا.

 تُظهر تصريحات ترامب خلال زيارته للرياض في 13 مايو 2025 رغبة الولايات المتحدة في إعادة تقييم سياستها تجاه سوريا، مع التركيز على دعم الاستقرار الإقليمي وتعزيز العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة.

رابعًا: رسائل غير مباشرة إلى الصين وروسيا

1. رفض تزايد النفوذ الصيني–الروسي

في جلسة مغلقة مع رجال أعمال ومسؤولين سعوديين، عبّر ترامب عن قلق بلاده من تنامي التعاون بين الخليج وكل من بكين وموسكو، مؤكدًا أن الاستثمارات الأمريكية هي “الأكثر أمنًا واستقرارًا ومصداقية”.

2. تحذير من تحالفات عسكرية موازية

قال ترامب: “أي تحالف أمني لا يشمل الولايات المتحدة لن يكون مستقرًا”، في تلميح إلى التنسيق العسكري الناشئ بين بعض دول المنطقة وروسيا.

التقييم السياسي للرسائل

  • الرسائل لقيت ترحيبًا من دول الخليج، وخصوصًا السعودية التي طالما دعت واشنطن لاتخاذ موقف أكثر حزمًا تجاه طهران.

  • إيران من جهتها ردت عبر وزارة خارجيتها بوصف تصريحات ترامب بأنها “استفزازية وعدائية”، وتوعدت بالرد على “أي محاولة لتقويض سيادتها”.

  • في الولايات المتحدة، اعتبر بعض المحللين أن لهجة ترامب تميل إلى العودة إلى خطاب 2017 خلال زيارته الأولى للرياض، لكن هذه المرة مع أبعاد اقتصادية واستثمارية أكثر وضوحًا.

في زيارته إلى الرياض يوم 13 مايو 2025، لم يأتِ دونالد ترامب محمّلًا فقط بصفقات واستثمارات، بل حمل معه رسائل سياسية نارية موجهة بالدرجة الأولى إلى إيران، وبالدرجة الثانية إلى بقية القوى الإقليمية والعالمية.
استعاد ترامب أسلوبه الصارم في الخطاب تجاه طهران، وطمأن شركاءه في الخليج بالتزام أمريكا الكامل بأمنهم واستقرارهم، في وقت تعيد فيه واشنطن صياغة دورها في الشرق الأوسط بعد سنوات من التردد والتراجع النسبي.

زر الذهاب إلى الأعلى