لماذا اقتصرت جولة ترامب 2025 على دول الخليج دون مصر؟

كتبت: فاطمة إسماعيل
يشهد شهر مايو 2025 جولة إقليمية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، شملت عددًا من دول الخليج العربي، أبرزها المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، وقطر. وقد أثار غياب مصر عن هذه الجولة تساؤلات عدة في الأوساط السياسية والإعلامية، خاصة في ظل علاقات تاريخية وثيقة تربط القاهرة بواشنطن. هذا التقرير يقدم تحليلًا معمقًا للأسباب السياسية والاستراتيجية التي دفعت ترامب إلى قصر جولته على دول الخليج، متجاهلًا الدولة الأكبر في العالم العربي، رغم مكانتها المحورية في ملفات المنطقة.
أولاً: السياق العام للجولة
قبل الدخول في تحليل استبعاد مصر، من المهم فهم الإطار العام لجولة ترامب في مايو 2025:
1. **العودة إلى الساحة الدولية**:
بعد تولي ترامب الرئاسة الأمريكية للمرة الثانية، يحرص على إثبات حضوره الدولي، واختار الشرق الأوسط ليبدأ تحركاته الدولية، وهو الإقليم الذي حقق فيه إنجازات سياسية بارزة خلال فترته الرئاسية السابقة، مثل اتفاقات التطبيع (اتفاقيات أبراهام).
2. **الظروف الإقليمية المضطربة**:
جاءت الزيارة في وقت يشهد فيه الإقليم توترًا متصاعدًا بسبب الحرب في غزة، والأزمة الإنسانية هناك، مع تصاعد الحديث عن مخططات لإعادة ترتيب الوضع في القطاع، ما جعل المنطقة في بؤرة الاهتمام الدولي.
3- التركيز على الاستثمارات والصفقات الاقتصادية
خلال جولته، ركز ترامب على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج، حيث تم توقيع اتفاقيات استثمارية ضخمة، بما في ذلك صفقات في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، استقبلت قطر ترامب بثماني طائرات مقاتلة، مما يدل على مستوى التعاون العسكري والاقتصادي بين البلدين.
4. التوجه نحو تحالفات استراتيجية جديدة
تسعى الإدارة الأمريكية إلى تعزيز تحالفاتها مع دول الخليج، خاصة في مجالات الأمن والتكنولوجيا. هذا التوجه يتماشى مع رؤية ترامب لتعميق التعاون مع الحلفاء التقليديين في المنطقة، مثل السعودية والإمارات.
ثانياً: الخلاف حول ملف غزة وخطة التهجير
واحدة من أبرز الأسباب الجوهرية لعدم شمول مصر في الجولة تتمثل في الخلاف الكبير حول خطة ترامب للتعامل مع غزة، فقد طرح ترامب خلال حملته وعدًا بـ”حل جذري” لأزمة غزة، يتضمن مقترحات صادمة، أهمها:
* تهجير جزئي للفلسطينيين من قطاع غزة إلى مناطق بديلة، من بينها صحراء سيناء.
* توفير تمويل خليجي ودولي لتوطين الفلسطينيين في تلك المناطق.
* تسليم القطاع لإدارة جديدة، بدعم من بعض الدول الإقليمية.
موقف مصر:
مصر رفضت هذه الخطة رفضًا قاطعًا، على المستويين الرسمي والشعبي، كان الرئيس عبد الفتاح السيسي واضحًا في تصريحاته بأن “أرض مصر ليست للبيع، ولا تقبل أن تكون بديلًا عن الأرض الفلسطينية”. وقد حذر مسؤولون مصريون من خطورة هذه الخطة على الأمن القومي، معتبرينها تهديدًا مباشرًا لسيادة الدولة واستقرار سيناء.
رد فعل ترامب:
رغم التراجع العلني عن بعض بنود الخطة، فإن موقف مصر أضعف المصداقية السياسية لخطة ترامب، وأحرجه أمام بعض حلفائه، مما ساهم في توتر العلاقات، و**استبعاد القاهرة من الجولة** لتفادي مواجهة مباشرة.
ثالثاً: الأولويات الاستراتيجية والاقتصادية للزيارة
ركز ترامب في جولته على دول الخليج لعدة أسباب متصلة بالمصالح الاستراتيجية:
1. الاستثمارات والتمويل السياسي:
العلاقات الشخصية التي بناها ترامب مع عدد من القادة الخليجيين خلال ولايته السابقة، خاصة في السعودية والإمارات، تمثل مصدر دعم محتمل لحملته الانتخابية. فدول الخليج تُعد من بين المستثمرين الكبار في مشاريع أمريكية، وربما في مبادرات ترامب الخاصة.
2. الملف الإيراني:
الخليج يمثل خط المواجهة الأول مع إيران، وترامب لا يزال يعتبر طهران التهديد الرئيسي في المنطقة. زيارته كانت محاولة لإعادة بناء جبهة إقليمية موحدة لمواجهة النفوذ الإيراني.
3. ملف الطاقة:
مع اضطراب أسواق النفط عالميًا، سعى ترامب لضمان تفاهمات مع دول الخليج حول الأسعار والإنتاج، بما ينعكس على الوضع الاقتصادي الأمريكي داخليًا، ويعزز من صورته السياسية.
رابعاً: اختلاف الرؤية بين مصر ودول الخليج
مصر تتبنى سياسة خارجية أكثر تحفظًا، توازن بين العلاقات مع الغرب، وروسيا، والصين. في المقابل، فإن دول الخليج، لا سيما الإمارات والسعودية، أبدت استعدادًا أكبر للتعاون مع السياسات الأمريكية بشكل مباشر، بما في ذلك:
* دعم مشاريع ترامب السياسية أو الاقتصادية.
* التماهي مع بعض الطروحات الأمريكية بشأن إعادة ترتيب الوضع في غزة.
* استقبال رموز المعارضة الفلسطينية أو تقديم مبادرات “بديلة” عن حل الدولتين.
هذا الاختلاف جعل ترامب يجد في الخليج شريكًا أكثر مرونة، بينما يعتبر القاهرة “صوتًا نقديًا” في بعض الملفات، ما أثر على قراره بخصوص الجولة.
خامساً: العلاقات المصرية الأمريكية:
رغم غياب مصر عن الجولة، لم تشهد العلاقات المصرية الأمريكية قطيعة. بل حدث تواصل مباشر بين ترامب والرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الشهر ذاته، حيث جرى اتصال هاتفي ناقش عدة ملفات، منها:
* الوضع في غزة.
* مستقبل العلاقات الثنائية.
* إمكانية عقد لقاء قريب بين الطرفين.
كما وجه ترامب دعوة رسمية للسيسي لزيارة واشنطن، مما يؤكد أن **الاستبعاد كان تكتيكيًا وليس قطعًا للعلاقات**، ويعود إلى اعتبارات ظرفية مرتبطة بالخلافات الحالية، وليس بتغيير استراتيجي في نظرة ترامب لمصر.
سادساً: البُعد الإعلامي والدعائي للجولة
توقيت الجولة كان جزءًا من استراتيجية إعلامية تهدف إلى تعزيز صورة ترامب** على المستوى الدولي خاصة بعد ولايته الثانية لرئاسة أمريكا ولذلك، فضل التركيز على دول توفر له:
* استقبال رسمي كبير.
* دعم إعلامي واضح.
* تفاهمات معلنة تبرز إنجازاته.
مصر، بحكم تحفظها ورفضها لمشاريع التهجير، لم تكن لتوفر هذا النوع من الزخم الإعلامي، خاصة في ظل التغطية الإعلامية المحلية التي تهاجم الخطط الأمريكية بشأن غزة.
سابعاً: مواقف داخلية في مصر ضد زيارة ترامب
هناك أيضًا اعتبار داخلي مهم، وهو الموقف الشعبي والبرلماني في مصر، فقد شهدت الأسابيع السابقة للجولة:
* حملات رفض واسعة لزيارة ترامب.
* بيانات برلمانية تندد بمقترحات التهجير وتدعو الحكومة لعدم استقباله.
* تقارير إعلامية تصف ترامب بـ”الخطر على الأمن القومي المصري”.
هذه الأجواء زادت من كلفة الزيارة سياسيًا للحكومة المصرية، وربما دفعتها إلى عدم السعي لاستضافته، ما جعل قرار استبعاد مصر أكثر منطقية من جانب الطرفين.
اقتصار جولة ترامب في مايو 2025 على دول الخليج دون مصر لم يكن حدثًا عابرًا، بل عكس واقعًا سياسيًا معقدًا يتضمن:
* خلافات عميقة حول القضية الفلسطينية.
* تباين في الرؤى الاستراتيجية بين مصر ودول الخليج.
* محاولة ترامب تحقيق مكاسب انتخابية عبر علاقات أوثق مع حلفائه التقليديين في الخليج.
رغم ذلك، تبقى مصر رقمًا صعبًا في معادلة الشرق الأوسط، وعلاقاتها مع الولايات المتحدة أكبر من أن تتأثر بجولة واحدة. ويُنتظر أن تشهد المرحلة المقبلة محاولات أمريكية لإعادة ترميم العلاقة، خاصة إذا ما استعاد ترامب موقعًا رسميًا أو نجح في استقطاب دعم إقليمي أوسع.
- للمزيد : تابع العاصمة والناس، وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك وتويتر .